كتاب: فتاوى الرملي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) عَنْ السَّمَوَاتِ هَلْ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ أَوْ الْعَكْسُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَوَاتِ أَوْ بَعْدَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ بِأَقْوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْحُوَهَا قَبْلَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَسَطَهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَدْحُوَّةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} الْآيَةَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّ لَفْظَةَ ثُمَّ فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ} لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَعْدِيدِ النِّعَمِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُكَ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ ثُمَّ رَفَعْتُ قَدْرَكَ ثُمَّ دَفَعْتَ الْخُصُومَ عَنْكَ وَلَعَلَّ بَعْضَ مَا أَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ قَدْ تَقَدَّمَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْتِيبٌ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} بِأَنَّ مَعْنَى بَعْدَ هَاهُنَا مَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}
أَيْ مَعَ ذَلِكَ زَنِيمٌ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ وَالْأَرْضَ مَعَ ذَلِكَ دَحَاهَا، وَفِيمَا تَمَسَّكَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُمَّ التَّرْتِيبُ وَالْأَصْلَ فِي بَعْدَ الْبَعْدِيَّةُ، وَإِبْدَالُ الْحُرُوفِ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ مَجَازٌ وَاتِّسَاعٌ فِي اللِّسَانِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ بَعْدَ هَاهُنَا بِمَعْنَى قَبْلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} وَهُوَ الْقُرْآنُ.
(سُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعَقْلِ كَمَا يُوصَفُ بِالْعِلْمِ أَوْ يَمْتَنِعُ وَصْفُهُ بِالْعَقْلِ وَعَلَى هَذَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَهَلْ الْعَقْلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْكَ بِكَ آخُذُ وَبِك أُعْطِي وَبِك أُثِيبُ وَبِكَ أُعَاقِبُ»؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ مَانِعٌ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِقَالِ وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ يَدْعُوهُ الدَّاعِي فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَالْعَقْلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ إذْ هُوَ أَسَاسٌ لَهُ وَلِجَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَالْعِبَادَاتِ وَهُوَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الْوَاجِبِ حِفْظُهُمَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ.
(سُئِلَ) هَلْ الْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِإِقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ فِي عَالَمِ الذَّرِّ كَمَا شَمَلَهُ قَوْله تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} عَلَى الْفِطْرَةِ وَلِقَوْلِ النَّوَوِيِّ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ أَطْفَالِ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ فَكَيْفَ بِالْغُلَامِ الْمَذْكُورِ الَّذِي أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّكْلِيفِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ يُعَذَّبُ كَالْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ نَصٍّ بِذَلِكَ أَوْ هُوَ كَافِرٌ يَخْلُدُ فِي النَّارِ لِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَلِحَدِيثِ: «وَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ فَكَانَ طُبِعَ كَافِرًا» نَقَلَهُمَا الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَمَا الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَوَّلِ وَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ قِرَاءَةِ كَانَ كَافِرًا وَحَدِيثِ: «يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَهَلْ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِمَّنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا» وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ كَانَ بَالِغًا أَوْ لَا فَقَالَ بِالْأَوَّلِ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالْكَلْبِيُّ وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَانَ رَجُلًا وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ تُسَمِّيَ الرَّجُلَ صَبِيًّا إلَى أَرْبَعِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِقَتْلِ نَفْسٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بِنَفْسٍ وَبِغَيْرِ نَفْسٍ، وَقِرَاءَةُ أَبِي وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا، وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ إلَّا بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ نَحْوَهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ: وَبِالثَّانِي جَمَاعَةٌ وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَتُهُ كَافِرًا إمَّا مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لَوْ بَلَغَ فَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِتَعْذِيبِهِ فَضْلًا عَنْ خُلُودِهِ فِي النَّارِ، وَإِمَّا حَقِيقَةٌ وَتَكُونُ الْأَحْكَامُ إذْ ذَاكَ مَنُوطَةٌ بِالتَّمْيِيزِ.
وَهَذَا نَظِيرُ مَا ذُكِرَ فِي شَرِيعَتِنَا فَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ أُنِيطَتْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ فَقَدْ تَكُونُ مَنُوطَةً قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ وَيُؤَيَّدُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ صَبِيًّا.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَقَدْ حَضَرَ جَمَاعَةً يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى قُمْ فَاذْكُرْ اللَّهَ مَعَهُمْ فَقَالَ سَيْفُ الشَّرْعِ قَطَعَنِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مَعَهُمْ وَهُوَ أَنَّى أَرَى مِنْ نَفْسِي أَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ لِذَلِكَ إلَّا بِمُجَرَّدِ كَلَامِكَ فَسَحَبَهُ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِلْإِيذَاءِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَحْرُمُ السَّحْبُ عَلَى فَاعِلِهِ لِإِيذَائِهِ الْمَسْحُوبَ.
(سُئِلَ) عَنْ السَّيِّدِ الْخَضِرِ هَلْ هُوَ نَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ وَهَلْ هُوَ حَيٌّ الْآنَ أَمْ مَيِّتٌ وَهَلْ هُوَ خَلْقٌ مِنْ الْبَشَرِ أَمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَإِذَا كَانَ حَيًّا فَأَيْنَ مَقَرُّهُ وَمَا مَأْكَلُهُ وَمُشْرَبُهُ وَكَذَلِكَ سَيِّدُنَا إلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمُ يُونُسَ السُّؤَالُ عَنْهُمَا كَذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) أَمَّا السَّيِّدُ الْخَضِرُ فَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ نَبِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أَيْ الْوَحْيَ وَالنُّبُوَّةَ لَا وَلِيٌّ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَمْ يَكُنْ الْخَضِرُ نَبِيًّا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّهُ حَيٌّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ وَالْعَامَّةُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مَوْجُودٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصُّوفِيَّةِ، وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَحِكَايَتُهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْأَخْذِ عَنْهُ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَوُجُودِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. اهـ.
وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ الْبَشَرِ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَقَرُّ السَّيِّدِ الْخَضِرِ وَالسَّيِّدِ إلْيَاسَ أَرْضُ الْعَرَبِ فَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إنَّ الْخَضِرَ، وَإِلْيَاسَ لَا يَزَالَانِ حَيَّيْنِ فِي الْأَرْضِ مَا دَامَ الْقُرْآنُ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا رُفِعَ مَاتَا وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَرْضِ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ وَهِيَ أَرْضُ الْعَرَبِ بِدَلِيلِ تَصَرُّفِهِمَا فِيهَا غَالِبًا دُونَ أَرْضِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَأَقَاصِي جُزُرِ الْهِنْدِ وَالسِّنْدِ مِمَّا لَا يَقْرَعُ السَّمْعَ اسْمُهُ وَلَا يُعْلَمُ عِلْمُهُ.
وَأَمَّا السَّيِّدُ إلْيَاسُ فَهُوَ إلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ سِبْطُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى وَقِيلَ إنَّهُ إدْرِيسُ وَقِيلَ إنَّهُ الْخَضِرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلْيَاسُ صَاحِبُ الْبَرَارِي وَالْخَضِرُ صَاحِبُ الْجَزَائِرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَمَّا عَظُمَتْ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَنَسُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ إلْيَاسَ نَبِيًّا وَتَبِعَهُ الْيَسَعُ وَآمَنَ بِهِ فَلَمَّا عَتَا عَلَيْهِ بَنُو إسْرَائِيلَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُرِيحَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى سَلْنِي أُعْطِكَ قَالَ تَرْفَعُنِي إلَيْك وَتُؤَخِّرُ عَنِّي مَذَاقَةَ الْمَوْتِ فَقِيلَ لَهُ اُخْرُجْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَمَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْ شَيْءٍ فَارْكَبْهُ وَلَا تَهَبْهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ الْيَسَعُ فَقَالَ الْيَسَعُ يَا إلْيَاسُ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ فَلَمَّا رُفِعَ رَمَى إلَيْهِ كِسَاءَهُ مِنْ الْجَوِّ الْأَعْلَى وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ اسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ ثُمَّ قَطَعَ اللَّهُ عَنْ إلْيَاسَ حَاجَةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَكَسَاهُ الرِّيشَ، وَأَلْبَسَهُ النُّورَ وَطَارَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فَصَارَ إنْسِيًّا مَلَكِيًّا سَمَائِيًّا أَرْضِيًّا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مَرِضَ، وَأَحَسَّ بِالْمَرَضِ فَبَكَى فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَتَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا أَمْ جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ أَمْ خَوْفًا مِنْ النَّارِ فَقَالَ لَا وَعِزَّتِكَ، وَإِنَّمَا جَزَعِي كَيْفَ يَحْمَدُكَ الْحَامِدُونَ بَعْدِي وَلَا أَذْكُرُكَ وَيَصُومُ الصَّائِمُونَ بَعْدِي وَلَا أَصُومُ وَيُصَلِّي الْمُصَلُّونَ وَلَا أُصَلِّي قَالَ لَهُ يَا إلْيَاسُ وَعِزَّتِي لَأَخَّرْتُكَ إلَى وَقْتٍ لَا يَذْكُرُنِي فِيهِ ذَاكِرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ نَقَلُوا أَنَّ الْخَضِرَ، وَإِلْيَاسَ يَكُونَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَيَصُومَانِهِ وَيَجْتَمِعَانِ فِي كُلِّ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ وَيَقُولَانِ عِنْدَ افْتِرَاقِهِمَا مِنْ الْمَوْسِمِ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا تَكُونُ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَوَرَدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا عِنْدَ الْحَجَرِ سَمِعْنَا صَوْتًا يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْحُومَةِ الْمَغْفُورِ لَهَا الْمَتُوبِ عَلَيْهَا الْمُسْتَجَابِ لَهَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ اُنْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ فَدَخَلْتُ الْجَبَلَ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ طُولُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيَّ قَالَ أَنْتَ رَسُولُ النَّبِيِّ قُلْت نَعَمْ قَالَ ارْجِعْ إلَيْهِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ هَذَا أَخُوكَ إلْيَاسُ يُرِيدُ لِقَاءَكَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى إذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنْهُ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَخَّرْتُ فَتَحَدَّثَا طَوِيلًا فَنَزَلَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنْ السَّمَاءِ يُشْبِهُ السُّفْرَةَ فَدَعَوْنِي فَأَكَلْتُ مَعَهُمَا فَإِذَا فِيهَا كَمْأَةٌ وَرُمَّانٌ وَكَرَفْسٌ فَلَمَّا أَكَلْت قُمْت فَتَنَحَّيْت وَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَاحْتَمَلَتْهُ فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ ثِيَابِهِ فِيهَا فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَكَلْنَاهُ أَمِنْ السَّمَاءِ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقَالَ يَأْتِينِي بِهِ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَكْلَةٌ وَفِي كُلِّ حَوْلٍ شَرْبَةٌ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ».
وَأَمَّا قَوْمُ يُونُسَ فَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إلَيْهِمْ نَبِيًّا فَأَقَامَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ تِسْعَ سِنِينَ فَأَبَوْا فَلَمَّا أَيِسَ مِنْ إيمَانِهِمْ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ يُصَبِّحُهُمْ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ أَقَامَ مَعَكُمْ وَبَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ ارْتَحَلَ عَنْكُمْ فَنُزُولُ الْعَذَابِ عَلَيْكُمْ لَا شَكَّ فِيهِ فَلَمَّا دَنَا الْمَوْعِدُ غَامَتْ السَّمَاءُ غَيْمًا أَسْوَدَ ذَا دُخَانٍ شَدِيدٍ فَهَبَطَ حَتَّى غَشِيَ مَدِينَتَهُمْ فَخَافُوا فَطَلَبُوا يُونُسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَيْقَنُوا بِصِدْقِهِ فَتَابُوا وَدَعَوْا اللَّهَ وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ وَبَرَزُوا إلَى الصَّعِيدِ بِأَنْفُسِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَحَنَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَعَلَتْ الْأَصْوَاتُ وَالضَّجِيجُ، وَأَخْلَصُوا التَّوْبَةَ، وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَرَدُّوا الْمَظَالِمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَضَرَّعُوا إلَى اللَّهِ فَرَحِمَهُمْ وَكَشَفَ عَنْهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ قَبْلَ آدَمَ كَذَا وَكَذَا بَشَرًا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمْ آدَمَ وَقَبْلَ جِبْرِيلَ كَذَا وَكَذَا مَلَكًا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمْ جِبْرِيلَ وَيَخْلُقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا وَعِقَابًا فَهَلْ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ قِيلَ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشَّمْسَ السَّخَاوِيَّ قَالَ: إنَّ الْبَيْهَقِيّ رَوَى فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ كِتَابِهِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} قَالَ سَبْعُ أَرْضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ وَآدَمُ كَآدَمَ وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى كَعِيسَى وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى بِلَفْظِ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَحْوُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عَقِبَهُ: إسْنَادُهُ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ شَاذٌّ بِمُرَّةَ لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابِعًا وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ عَزْوِهِ لِابْنِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنْ الْخَلْقِ مِثْلُ مَا فِي هَذِهِ حَتَّى آدَمَ كَآدَمَ، وَإِبْرَاهِيمَ كَإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات وَذَلِكَ وَأَمْثَالُهُ إنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ وَيَصِحُّ سَنَدُهُ إلَى مَعْصُومٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ.